الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **
فصـل فى ألا يسأل العبد إلا الله قال الله تعالى: وأحاديث النهى عن مسألة الناس الأموال كثيرة كقوله: (لا تحل المسألة إلا لثلاثة..)، وقوله: (لأن يأخذ أحدكم حبله ...) الحديث، وقوله: (لا تزال المسألة بأحدهم...)، وقوله: (من سأل الناس وله ما يغنيه ...)، وأمثال ذلك. وقوله: (من نزلت به فاقَةٌ فأنزلها بالناس، لم تسد فاقته) الحديث . فأما سؤال ما يسوغ مثله من العلم، فليس من هذا الباب؛ لأن المخبر/ لا ينقص الجواب من علمه بل يزداد بالجواب، والسائل محتاج إلى ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: (هلا سألوا إذا لم يعلموا ؟ فإن شفاء العىِّ السؤال). ولكن من المسائل ما ينهى عنه، كما قال تعالى: وأما سؤله لغيره أن يدعو له: فقد قال النبى صلى الله عليه وسلم لعمر: (لا تنسنا من دعائك)، وقال: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علىّ فإنه من صلَّى علىَّ مرة صلى الله عليه عشرًا، ثم سلوا الله لى الوسيلة فإنها درجة فى الجنة لا تنبغى إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد، فمن سأل الله لى الوسيلة حَلَّتْ له شفاعتى يوم القيامة)، وقد يقال فى هذا: هو طلب من الأمة الدعاء له؛ لأنهم إذا دعوا له حصل لهم من الأجر أكثر مما لو كان الدعاء لأنفسهم. كما قال للذى قال: أجعل صلاتى كلها عليك ؟ فقال: (إذًا يَكْفِيكَ الله ما أهَمَّكَ من أمر دنياك وآخرتك)، فطلبه منهم الدعاء له لمصلحتهم، كسائر أمره إياهم بما أمر به، وذلك لما فى ذلك من المصلحة لهم، فإنه قد صح عنه أنه قال: (ما من رجل يدعو لأخيه بظهر الغيب بدعوة إلا وكل الله به ملكا كلما دعا دعوة قال الملك الموكل به: آمين ولك مثله). /وقال شيخ الإسلام ـ رحمه الله: العبادات مبناها على الشرع والاتباع، لا على الهوى والابتداع، فإن الإسلام مبنى على أصلين: أحدهما: أن نعبد الله وحده لا شريك له. والثانى: أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، لا نعبده بالأهواء والبدع، قال الله تعالى: فليس لأحد أن يعبد الله إلا بما شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم، من واجب ومستحب، لا نعبده بالأمور المبتدعة، كما ثبت فى السنن من حديث الْعِرْبَاضِ بن سَارِيَةَ. قال الترمذى: حديث حسن صحيح. وفى مسلم أنه كان يقول فى خطبته: (خير الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة). وليس لأحد أن يعبد إلا الله وحده، فلا يصلى إلا لله، ولا يصوم إلا لله، / ولا يحج إلا بيت الله، ولا يتوكل إلا على الله، ولا يخاف إلا الله، ولا ينذر إلا لله، ولا يحلف إلا بالله. وفى الصحيحين عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو لِيَصْمُتْ). وفى السنن: (من حلف بغير الله فقد أشرك)، وعن ابن مسعود: لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلى من أن أحلف بغيره صادقا؛ لأن الحلف بغير الله شرك، والحلف بالله توحيد. وتوحيد معه كذب، خير من شرك معه صدق، ولهذا كان غاية الكذب أن يعدل بالشرك، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم: (عدلت شهادة الزور الإشراك بالله) مرتين أو ثلاثا. وقرأ قوله تعالى: ولو حلف ليفعلن شيئا، لم يجب عليه أن يفعله، قيل: يجوز له أن يكفر عن اليمين، ولا يفعل المحلوف عليه، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليأت الذى هو خير، وليُكَفِّر عن يمينه)، وقد ثبت فى الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن النذر وقال: (إنه لا يأتى بخير، وإنما يستخرج به من البخيل)، فإذا كان النذر لا يأتى بخير فكيف بالنذر للمخلوق؟ ولكن النذر لله يجب الوفاء به إذا كان فى طاعة، وإذا كان معصية لم يجز الوفاء باتفاق العلماء، وإنما تنازعوا: / هل فيه بدل، أو كفارة يمين، أم لا ؟ لما رواه البخارى فى صحيحه، عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من نَذَرَ أن يطيع الله فَلْيُطِعْه، ومن نذر أن يعصى الله فلا يَعْصِه). فمن ظن أن النذر للمخلوقين يجلب له منفعة، أو يدفع عنه مضرة، فهو من الضالين كالذين يظنون أن عبادة المخلوقين تجلب لهم منفعة، أو تدفع عنهم مضرة. وهؤلاء المشركون قد تتمثل لهم الشياطين، وقد تخاطبهم بكلام، وقد تحمل أحدهم فى الهواء، وقد تخبره ببعض الأمور الغائبة، وقد تأتيه بنفقة أو طعام، أو كسوة، أو غير ذلك، كما جرى مثل ذلك لعباد الأصنام من العرب وغير العرب، وهذا كثير، موجود فى هذا الزمان، وغير هذا الزمان، للضالين المبتدعين المخالفين للكتاب والسنة، إما بعبادة غير الله، وإما بعبادة لم يشرعها الله. وهؤلاء إذا أظهر أحدهم شيئا خارقا للعادة لم يخرج عن أن يكون حالا شيطانيا، أو محالا بهتانيا فخواصهم تقترن بهم الشياطين، كما يقع لبعض العقلاء منهم، وقد يحصل ذلك لغير هؤلاء،لكن لا تقترن بهم الشياطين إلا مع نوع من البدعة ،إما كفر، وإما فسق، وإما جهل بالشرع. فإن الشيطان قصده إغواء بحسب قدرته، فإن قدر على أن يجعلهم كفارًا جعلهم كفارًا وإن لم يقدر إلا على جعلهم فساقا، أو عصاة، وإن لم يقدر إلا على نقص عملهم ودينهم، ببدعة يرتكبونها يخالفون بها الشريعة التى بعث الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم فينتفع منهم بذلك!! / ولهذا قال الأئمة: لو رأيتم الرجل يطير فى الهواء أو يمشى على الماء، فلا تغتروا به، حتى تنظروا وقوفه عند الأمر والنهى، ولهذا يوجد كثير من الناس يطير فى الهواء وتكون الشياطين هى التى تحمله، لا يكون من كرامات أولياء الله المتقين. ومن هؤلاء: من يحمله الشيطان إلى عرفات فيقف مع الناس، ثم يحمله فيرده إلى مدينته تلك الليلة، ويظن هذا الجاهل أن هذا من أولياء الله، ولا يعرف أنه يجب عليه أن يتوب من هذا، وإن اعتقد أن هذا طاعة وقربة إليه، فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل؛ لأن الحج الذى أمر الله به ورسوله لابد فيه من الإحرام، والوقوف بعرفة، ولابد فيه من أن يطوف بعد ذلك طواف الإفاضة؛ فإنه ركن لا يتم الحج إلا به، بل عليه أن يقف بمزدلفة، ويرمى الجمار ويطوف للوداع، وعليه اجتناب المحظورات، والإحرام من الميقات، إلى غير ذلك من واجبات الحج. وهؤلاء الضالون الذين يضلهم الشيطان يحملهم فى الهواء، يحمل أحدهم بثيابه، فيقف بعرفة ويرجع من تلك الليلة. حتى يرى فى اليوم الواحد ببلده ويرى بعرفة. ومنهم من يتصور الشيطان بصورته ويقف بعرفة، فيراه من يعرفه واقفًا، فيظن أنه ذلك الرجل وقف بعرفة ! فإذا قال له ذلك الشيخ: أنا لم أذهب العام إلى عرفة، ظن أنه ملك خلق على صورة ذلك الشيخ، وإنما هو شيطان تمثل على صورته، ومثل هذا وأمثاله يقع كثيرًا، وهى أحوال شيطانية، قال تعالى: فالأحوال الرحمانية وكرامات أوليائه المتقين يكون سببه الإيمان، فإن هذه حال أوليائه: قـال تعـالى: { وأما أصحاب الأحوال الشيطانية، فهم من جنس الكهان، يكذبون تارة ويصدقون أخرى، ولابد فى أعمالهم من مخالفة للأمر، قال تعالى: ولهذا يوجد الواحد من هؤلاء ملابسا الخبائث من النجاسات والأقذار، / التى تحبها الشياطين، ومرتكبا للفواحش، أو ظالما للناس فى أنفسهم وأموالهم، وغير ذلك، والله تعالى قد حرم وأولياء الله هم الذين يتبعون رضاه بفعل المأمور، وترك المحظور، والصبر على المقدور، وهذه جملة لها بسط طويل لا يتسع له هذا المكان، والله أعلم. فصل جامع قد كتبتُ فيما تقدم فى مواضع قبلُ بعض القواعد، وآخر مسودة الفقه: أن جماع الحسنات العدل، وجماع السيئات الظلم، وهذا أصل جامع عظيم. وتفصيل ذلك: أن الله خلق الخلق لعبادته، فهذا هو المقصود المطلوب لجميع الحسنات، وهو إخلاص الدين كله لله، وما لم يحصل فيه هذا المقصود، فليس حسنة مطلقة مستوجبة لثواب الله فى الآخرة، وإن كان حسنة من بعض الوجوه له ثواب فى الدنيا، وكل ما نهى عنه فهو زيغ وانحراف عن الاستقامة، ووضع للشىء فى غير موضعه فهو ظلم . ولهذا؛ جمع بينهما ـ سبحانه ـ فى قوله: وقد جمع ـ سبحانه ـ فى هذه السورة وفى الأنعام وفى غيرهما ذنوب المشركين فى نوعين / أحدهما: أمر بما لم يأمر الله به كالشرك، ونهى عما لم ينه الله عنه كتحريم الطيبات، فالأول: شرع من الدين ما لم يأذن به الله. والثانى:تحريم لما لم يحرمه الله . وكذلك فى الحديث الصحيح حديث عياض بن حمار، عن النبى صلى الله عليه وسلم، عن الله تعالى: (إنى خلقت عبادى حُنَفَاء فاجتالتهم الشياطين، فحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بى ما لم أنزل به سلطانا). ولهذا كان ابتداع العبادات الباطلة، من الشرك ونحوه، هو الغالب على النصارى ومن ضاهاهم من منحرفة المتعبدة، والمتصوفة. وابتداع التحريمات الباطلة هو الغالب على اليهود ومن ضاهاهم من منحرفة المتفقهة، بل أصل دين اليهود فيه آصار وأغلال من التحريمات؛ ولهذا قال لهم المسيح: اعلم ـ رحمك الله ـ أن الشرك بالله أعظم ذنب عُصى الله به،قال الله تعالى: فإن الله ـ سبحانه ـ هو المستحق للعبادة لذاته؛ لأنه المألوه المعبود، الذى تألهه القلوب وترغب إليه،وتفزع إليه عند الشدائد، وما سواه فهو مفتقر مقهور بالعبودية، فكيف يصلح أن يكون إلها ؟ قال الله تعالى: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ} [ الزخرف:15] وقال تعالى: فإذا ظهر للـعبد من سـر الربـوبية أن الملك والتدبير كله بيد الله تعالى، قال تعالى: فالتحقيق بالأمر والنهى، والمحبة والخوف والرجاء، يكون عن كشف علم الإلهية . والتحقيق بالتوكل والتفويض والتسليم يكون بعد كشف علم الربوبية، /وهو علم التدبير السارى فى الأكوان،كما قال الله عز وجل: ولهذا قيل: إن هذه الآية جمعت جميع أسرار القرآن: ومن غاب عن هذا المشهد وعن المشهد الأول، ورأى قيام الله عز وجل على جميع الأشياء، وهو القيام على كل نفس بما كسبت، وتصرفه فيها، وحكمه عليها، فرأى الأشياء كلها منه صادرة عن نفاذ حكمه، وإرادته القدرية، فغاب بما لاحظ عن التمييز والفرق، وعطل الأمر والنهى والنبوات، ومرق من الإسلام مروق السهم من الرَّمِيَّةِ . وإن كان ذلك المشهد قد أدهشه وغيب عقله، لقوة سلطانه الوارد، وضعف قوة البصيرة؛ أن يجمع بين المشهدين، فهذا معذور منقوص إلا من جمع بين المشهدين: الأمر الشرعى، ومشهد الأمر الكونى الإرادى. وقد زلت فى هذا المشهد أقدام كثيرة من السالكين؛ لقلة معرفتهم بما بعث الله به المرسلين؛ وذلك لأنهم عبدوا الله على مرادهم منه، ففنوا بمرادهم عن مراد الحق ـ عز وجل ـ منهم؛لأن الحق يغنى بمراده ومحبوبه، ولو عبدوا الله على / مراده منهم لم ينلهم شىء من ذلك؛لأن العبد إذا شهد عبوديته ولم يكن مستيقظاً لأمر سيده، لا يغيب بعبادته عن معبوده، ولا بمعبوده عن عبادته، بل يكون له عينان ينظر بأحدهما إلى المعبود كأنه يراه ؛كما قال صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الإحسان:(أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، والأخرى ينظر بها إلى أمر سيده، ليوقعه على الأمر الشرعى الذى يحبه مولاه ويرضاه . فإذا تقرر هذا، فالشرك إن كان شركاً يكفر به صاحبه، وهو نوعان : شرك فى الإلهية، وشرك فى الربوبية . فأما الشرك فى الإلهية فهو: أن يجعل لله نداً، أى: مثلا فى عبادته، أو محبته، أو خوفه، أو رجائه، أو إنابته، فهذا هو الشرك الذى لا يغفره الله إلا بالتوبة منه، قال تعالى: وقال النبى صلى الله عليه وسلم لحُصَيْن: (كم تعبد ؟) قال: ستة فى الأرض وواحد فى السماء. قال: (فمن الذى تعد لرغبتك ورهبتك ؟) قال: الذى فى السماء. قال: (ألا تسلم فأعلمك كلمات ؟) فأسلم. فقال النبى صلى الله عليه وسلم: (قل: اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِى رشْدى، وَقِنِي شَرَّ نَفْسِي). وأما الربوبية فكانوا مقرين بها، قال الله تعالى: وأما النوع الثانى: فالشرك فى الربوبية، فإن الرب سبحانه ـ هو المالك المدبر، المعطى المانع، الضار النافع، الخافض الرافع، المعز المذل ،فمن شهد أن المعطى أو المانع، أو الضار أو النافع، أو المعز أو المذل غيره، فقد أشرك بربوبيته . ولكن إذا أراد التخلص من هذا الشرك، فلينظر إلى المعطى الأول مثلا ،فيشكره على ما أولاه من النعم، وينظر إلى من أسدى إليه المعروف فيكافئه عليه، لقوله عليه السلام: (من أسْدَى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له، حتى تروا أنكم قد كافأتموه) لأن النعم كلها لله تعالى، كما قال تعالى: / ومما يقوى هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضى الله عنهما: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشىء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك، لم يضروك إلا بشىء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجَفَّت الصُّحُفُ). قال الترمذى: هذا حديث صحيح. فهذا يدل على أنه لا ينفع فى الحقيقة إلا الله، ولا يضر غيره، وكذا جميع ما ذكرنا فى مقتضى الربوبية . فمن سلك هذا المسلك العظيم استراح من عبودية الخلق ونظره إليهم، وأراح الناس من لَوْمِه وذَمِّه إياهم، وتجرَّد التوحيد فى قلبه، فقوى إيمانه، وانشرح صدره، وتنور قلبه، ومن توكل على الله فهو حسبه، ولهذا قال الفُضَيْل بن عياض ـ رحمه الله ـ: من عرف الناس استراح. يريد ـ والله أعلم ـ أنهم لا ينفعون ولا يضرون . وأما الشرك الخفى: فهو الذى لا يكاد أحد أن يسلم منه، مثل: أن يحب مع الله غيره. فإن كانت محبته لله مثل حب النبيين والصالحين، والأعمال الصالحة فليست من هذا الباب؛ لأن هذه تدل على حقيقة المحبة، لأن حقيقة المحبة أن يحب المحبوب وما أحبه، ويكره ما يكرهه، ومن صحت محبته امتنعت مخالفته؛ لأن المخالفة إنما تقع لنقص المتابعة، ويدل على نقص المحبة قول الله تعالى: ولا يرد علينا الباب الأول؛ لأن ذلك داخل فى محبته. وهذا ميزان لم يجر عليك، كلما قويت محبة العبد لمولاه، صغرت عنده المحبوبات وقلت، وكلما ضعفت، كثرت محبوباته وانتشرت وكذا الخوف، والرجاء ،وما أشبه ذلك، فإن كمل خوف العبد من ربه لم يخف شيئاً سواه، قـال الـله تعـالى: وطرق التخلص من هذه الآفات كلها: الإخلاص لله عز وجل، قال الـله تعـالى: ولابد من التنبيه على قاعدة تحرك القلوب إلى الله عز وجل، فتعتصم به، فتقل آفاتها، أو تذهب عنها بالكلية، بحول الله وقوته . فنقول: اعلم أن محركات القلوب إلى الله عز وجل ثلاثة: المحبة، والخوف، والرجاء. وأقواها الـمحبة، وهى مقصودة تراد لذاتها؛ لأنها تراد فى الدنيا والآخرة بخلاف الخوف فإنه يزول فى الآخرة، قال الله تعالى: فإن قيل:فالعبد فى بعض الأحيان، قد لا يكون عنده محبة تبعثه على طلب محبوبه، فأى شىء يحرك القلوب ؟ قلنا: يحركها شيئان : أحدهما: كثرة الذكر للمحبوب؛ لأن كثرة ذكره تعلق القلوب به، ولهذا أمر الله عز وجل بالذكر الكثير، فقال تعالى: والثانى: مطالعة آلائه ونعمائه، قال الله تعالى: فإذا ذكر العبد ما أنعم الله به عليه، من تسخير السماء والأرض، وما فيها من الأشجار والحيوان، وما أسبغ عليه من النعم الباطنة، من الإيمان وغيره، فلابد أن يثير ذلك عنده باعثا، وكذلك الخوف، تحركه مطالعة آيات الوعيد، والزجر، والعرض، والحساب ونحوه، وكذلك الرجاء، يحركه مطالعة الكرم، والحلم، والعفو . وما ورد فى الرجاء والكلام فى التوحيد واسع. وإنما الغرض التنبيه على تضمنه الاستغناء بأدنى إشارة، والله ـ سبحانه وتعالى ـ أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
|